الاثنين، 15 يونيو 2020

ظاهرة "بوجلود " أو "بولبطاين" بالمغرب


بقلم عبدالفتاح عتيق/
مراجعة حميد النعيمي/ إلهام الرقيب
1 ) أصول الظاهرة.
     يرى العديد من المؤرخين أن أصل ظاهرة "بوجلود" يعود إلى عصور ما قبل الاسلام، كما أن أشكال ممارسة الطقوس لها مرجع أسطوري يعود إلى أحداث جرت في الزمن القديم لها علاقة بشخصيات و أحداث أسطورية. 
     هناك قصص تتحدث عن وحش إفريقي تتدلى منه الجلود، و كان يزرع الرعب في صفوف السكان، فيما ترجع حكايات أخرى أصل الظاهرة إلى زمن كان فيه اللصوص يتنكرون بجلود الحيوانات بغية سرقة أموال السكان. أما أساطير أخرى فترى أن ارتداء الانسان لجلد الحيوان و التشبه به كان بمثابة تكريم له و رد الاعتبار لما يقدمه من خدمات لهذا الأخير، حتى أنه وصلت هذه المراسيم إلى مرتبة التقديس. و ارتبطت هذه الظاهرة بالقبائل الأمازيغية مند ذلك الحين فشملت عدة مناطق أغلبها بجنوب المغرب و الأطلس الصغير.

2) أصل التسمية
       من المعروف أن هذه الظاهرة الموسمية، هي عبارة عن احتفالات تدوم لثلاث أيام تخطف فيها الأضواء شخصية بارزة تعرف ب"بجلود" أو "بولبطاين". يرتدي الشخص الذي تم تعيينه لتقمص تلك الشخصية مجموعة من جلود الماعز أو الأكباش. لذلك يعود أصل التسمية إلى تلك الحالة التي يكون فيه الشخص الحامل لزي بوجلود فيطلقون عليه ذلك اللقب. و يتم اختيار الشخص حسب عدة معايير معترف بها بين أهل المنطقة ،في الغالب يتميز بوجلود بشخصية مرنة و كرزمة خاصة، إضافة إلى الجرأة التي تمكنه من تقمص الدور بشكل جيد وكذا امتلاكه لبنية جسمانية قوية ولياقة مهمة  تمكنه من الركود خلف الحشد. كما أن اختيار جلد الماعز له أسبابه الخاصة حيث أنه يتميز بالخفة و الليونة التي تسهل استعماله بطريقة أنسب على غيره. ففي القديم كانوا يستعملون جلد الأكباش و البقر. لكن ذلك لم يعد ممكنا نظرا لعدة تغيرات عرفها هذا الموروث الثقافي بالمغرب.
3) الفترة الزمنة 
     إن ظاهرة "بوجلود" كرنفال موسمي يرتبط قيامه بوجود الأضاحي، و ذلك ما يجعل هذا الحفل يرتبط أساسا بعيد الأضحى، حيت يقوم أهل المنطقة مستغلين جلود الأضحية في اليوم الموالي ليوم الذبح في إقامة هذا التراث الشعبي، إذ أنه و بعد صلاة العصر من اليوم الموالي تستعد مجموعة الحفل ،التي تتكون عادة من ثلاثون شخص معظمهم شباب، تترأسها لجنة مكونة من ثمانية أشخاص يسهرون على تأطير الحفل على مدار ثلاث أيام.
أشكال و ممارسات الطقوس 
      كما سبق و أن أشرنا إلى كيفية قيام بعض من هذه الطقوس، يلف الشخص الذي يتقمص دور “بوجلود” سبعة جلود حول جسده، ويقوم بطلاء وجهه إما بالصباغة أو بالفحم الأسود المدقوق و الممزوج بالزيت ليعطي لمعانا للوجه، لكي يخفي تماما ملامح الشخص الحقيقية وإظهار ملامح شخصية “بوجلود”,الذي يحمل في يده رِجْل خروف، ليطارد بها المارة و أهالي القبيلة وضربهم  من أجل جمع المال أو أي شيء تجود به أياديهم، من ورود و قمح وشعير و فواكه جافة، يعاد بيعها يوم إسدال الستار على الكرنفال، لمن يدفع أكثر.
    ومع مرور الزمان تطورت هذه العادة التقليدية لتصبح أكثر إثارة و فرجة، فصار يمارسها شباب كثيرون في مختلف المدن المغربية وسط صخب موسيقي و غناء شعبي و أهازيج خاصة يعرف حضورا لعدد غفير من الجماهير لمتابعة الكرنفال، كما يطبع الحفل جوا مرح من الضحك و السخرية من الشخص الذي يرتدي زي "بوجلود".
   وفي العديد من الأبحاث التي أجريت حول هذه الظاهرة فإن هناك مجموعة من التغيرات التي طرأت بسبب بعض الثقافات الدخيلة.

4 .ممارسات دخيلة.
     رغما عن الطقوس و الممارسات التي رافقة هذا الإرث الثقافي (بوجلود) مند البداية إلا أن هذا التراث الشعبي القديم يزيغ أحيانا عن طريقه و سياقه الفرجوي بسبب بعض الممارسات غير المرغوب فيها من قبل بعض الدخلاء، فتصدر منهم بعض الممارسات العنيفة من قبيل أخد مال المارة بالتهديد تحت مبرر العادة و بداعي المرح، كما أن هذه الممارسة تتحول حينها من تراث شعبي إلى بوابة لممارسة الأفعال المحرمة قانونيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تنافر الناس و  تنازل بعضهم عن المشاركة في الحفل. و هذا الأمر جعل السلطات ،في بعض المدن و القرى،  تتدخل من خلال الحرص على الحفل عن طريق أخد هويات المشاركين قبل بداية الحفل و خاصة مرتدي الزي.
لكن هذه الظروف لم تمنع ظاهرة "بوجلود" من  أن تصبح عادة اجتماعية يتم من خلالها إعادة تمتين العلاقات الاجتماعية و ترسيخ قيم التضامن و التآزر بين مختلف فئات المجتمع و لحظة للمصالحة مع الجماعة.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زمن كورونا

الزمن زمن كرورنا عشنا رخاء الحياة بين بساتينها و مقاهيها وبين صخب الليالي  و عبق رائحة الزهور  لم نعلم قط النعيم الذي كنا نعيش فيه حتى ضاقت ...